احتفلت مصر بإنتاج أول أستيكة مصرية، بينما تحتفل الهند بإنتاج أرخص سيارة وأرخص لاب توب فى العالم! كانت الهند أفقر دولة فى العالم وأكثرها نهباً للصراعات الطائفية والمجاعات والأوبئة، كان اقتصادها منهاراً وعملتها من النكرات المجهولة، فإذا بالمارد الهندى يخرج من القمقم ليحقق للعالم معادلة كنا نظنها مستحيلة، رخص أيدى عاملة + تعليم جيد + جدية والتزام وأمانة فى العمل + اقتحام لعالم المستقبل من فضاء وكمبيوتر لدرجة مناطحة الكبار، بل التفوق عليهم.

بلاد كانت تركب الأفيال فصارت تركب الفضاء وتبرمج العالم وتعيد تشكيله من خلال عباقرة السوفت وير الهنود الذين يخترعون برامج كمبيوتر لكل شىء فى الدنيا من عالم الطب حتى عالم السينما ثلاثية الأبعاد!، ويكفى أن تعرف أن تقنيات الإبهار فى فيلم «الملك وأنا» صناعة هندية، برامج المحاكاة فى شركة إير باص هندية، برمجيات أشهر البنوك الأمريكية هندية، ولا تتساءل، عزيزى القارئ، لماذا تتعنت السفارة الأمريكية فى تأشيراتها للمصريين، بل أريدك أن تتساءل: لماذا تمنح أمريكا ٢٠٠ ألف تأشيرة سنوياً للهنود؟ لماذا قال كلينتون: إننى عندما أتصل بمايكروسوفت فى أى وقت لابد أن يرد على تليفونى خبير هندى؟!،

لماذا أعلن المستشار الألمانى السابق أنه ضد هجرة الجنسيات الأخرى إلى ألمانيا ماعدا الهنود؟ لماذا يحتل الهنود ٣٨% من العمالة فى وادى السيليكون الأمريكى؟ لماذا أعلنت شركة «أوراكل» الشهيرة العاملة فى قطاع تقنية المعلومات عزمها زيادة عدد الفنيين الهنود لديها من ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف؟! لماذا تقدمت الهند واستقرت سياسياً فى الوقت نفسه الذى تتخبط فيه باكستان، بالرغم من ولادتهما من رحم واحد؟ لماذا صار الهندى علامة جودة فى العالم كله، محطماً أشهر سؤال استنكارى: «إنت فاكرنى هندى؟!».

ديمقراطية الهند هى سر التقدم، وعلمانية الهند هى الشفرة السحرية، الاهتمام بالهند فقط وإعلاء مبدأ المواطنة لدرجة أن ثلاثة من المسلمين تولوا الرئاسة بعد الاستقلال منهم أبوبكر عبدالكلام، أبوالقنبلة النووية الهندية والأب الروحى للصواريخ وعصر اقتحام الهنود للفضاء، وهناك أيضاً امرأة مسلمة تولت رئاسة مجلس الشيوخ فى بلد أغلبيته هندوسية!!،

الاهتمام بجودة التعليم وجعله أهم مشروع وطنى، عدم تدخل المؤسسة العسكرية فى شؤون السياسة، مثلما يحدث فى باكستان المجاورة التى تعيش أسيرة انقلابات مزمنة، الاهتمام باللغة الكونية وهى اللغة الإنجليزية وعدم كراهيتها ودفنها والتبرؤ منها، مثلما حدث فى مصر بعد طرد الإنجليز فصار الهندى يتحدث الإنجليزية كواحد من أبنائها، وصار المصرى يتحدث الإنجليزية على طريقة «مينز» سعيد صالح فى مدرسة المشاغبين!.

لم تصرخ الهند وتئن وتشكو وتنتحر وتلطم الخدود من المليار مواطن ولم تحسبهم على أنهم مليار فم، بل حسبتهم على أنهم مليار عقل ومليار موهبة واثنين مليار يد وحولتهم إلى مليار مبدع يقتحمون العالم من أقصاه إلى أقصاه ويفرضون أنفسهم على العالم الغربى دون ضجيج وإزعاج ودون عمليات انتحارية ودون تفجير مترو أنفاق ودون أحزمة ناسفة ودون مظاهرات لفرض النقاب، يفرضون أنفسهم فقط بالعمل والعلم.